السبت، 24 أكتوبر 2009

"الصمت - Silence" : رواية يابانيّة من العيار الثقيل .. جداً !



.. بعد الإعجاب الباهر فور انتهائي, في يوم من أيام اكتوبر 2006, من مشاهدة فيلم المخرج الكبير مارتن سكورسيزي المحتفى به من الجمهور والنقاد “The Departed” ذهبت مباشرة إلى موقع imdb.com لكي أعرف ماالذي سيقدمه بعد هذا العمل. وجدت في قائمة مشاريع الأفلام القادمة له (سكورسيزي) فيلماً بعنوان Silence. بعد النقاش الطويل عن الفيلم في منتدى سينماك (رحمه الله) .. أذكر أن الأخ الكريم والناقد السعودي اللامع "رجا المطيري" أشار إلى أنه ينتظر بشغف فيلمه القادم "الصمت" .. أذكر جيّداً انه وصف شوقه الشديد لتجسيد مخرج كـ"مارتي" لرواية "خالدة" كـ"الصمت".. حينها عزمت أن أقرأ الرواية.

الآن وبعد 3 سنوات, بعد ان بحث غير كليل عن الرواية في المكتبات؛ تسنت لي بمحض الصدفة الوصول إليها في مول الإمارات في دبي.. اشتريت الرواية وكنّا في طريقنا إلى الدوحة برّاً. تسمّرت المقدّمة, ثم بدأت القراءة ولم اتوقف .. كنت في المقعد الخلفي للسيارة وصديقاي –في الكراسي الأمامية- ينادونني ولكني كنت اكتفي بالتجاهل والاستمرار في القراءة .. التفت صاحبي علي بعد انزعاجه من عدم ردّي , ثم قال لصاحبنا السائق: أيه زاده ساكت قاعد يقرا كتاب اسمه الصمت :P. عند وصولي للنقطة الأخيرة المُنهية لآخر جملة في الرواية.. قلت في نفسي: يالنهاية التي تستوجب –وجوباً- فضيلة الصمت!

الصمت (1966) : هو عنوان لرواية تاريخية من تأليف الروائي الياباني المحتفى به عالميّاً "شوساكو إندو". الرواية -المقتبسة جزئياً من أحداث واقعية- تدور في اليابان في القرن السابع عشر خلال العهد الذي شاع فيه الإضطهاد الياباني للرعايا اليابانيين الكاثوليك, والذين انتشرت الكاثوليكية في بعض أجزاء اليابان من اتصال الشعب بالإرساليات البرتغالية بعد اكتشاف طريق رأس الرجاء الصالح وشيوع التجارة البرتغالية مع الشرق الأقصى. تبدأ القصّة من بلوغ الكنيسة الكاثوليكية الخبر الصاعق, وهو ارتداد القس المخلص والمعروف وقتها "كريستوفاو فيرييرا", والذي كان ينشر التعاليم المسيحية المحظورة سرّاً في اليابان, عن الديانة المسيحية واعتناقه البوذيّة. الخبر الذي دفع ثلاثة من طلاّبه المخلصين غير المصدقين لمحاولة الوصول فعليّاً إلى اليابان للتحري من الخبر.

تبدأ الرواية من هذا المدخل التاريخي, ثم تنتقل بالقارئ في رحلة الرهبان الثلاثة (وبالذات الراهب رودريغيز بطل الرواية) الفيزيائية والنفسية والعقائديّة بعد وصولهم اليابان وعيشهم في حياة المطاردين من السلطات الغاضبة. تتحدّث الرواية عن أوضاع الطائفة الكاثوليكية اليابانية وقتها, وعن أساليبهم في التعبّد السرّي والمحافظة على دينهم وسط قوانين متشددة تعرّض أي معتنق للمسيحية للتعذيب والقتل. وفي هذه الرحلة كان رودريغيز يسير مع اختلاف الأماكن واختلاف الأحداث واختلاف القناعات التي أخذت تأخذ مسارات جديدة عنده.

عوضاً عن العنصر القصصي الرائع في حبكته, فإن العنصر المهم حقّاً في الرواية هو طابعها الفلسفي التأملي العقائدي العميق. وهذا الطابع, الذي يصدر من الروائي الياباني الكاثوليكي "إندو", له طعم خاص ونكهة متفرّدة كونها تصدر من ياباني ومن كاثوليكي تشكل طائفته نسبة أقل من 1% من الشعب الياباني. تصف الصراع النفسي الحاد في عقائد الشخصيّات من خلال المواقف التي مرّت بها في الرواية. ثم تصل في أواخيرها إلى هدف الرحلة ككل, القس فيرييرا المرتد, وعن ارتداده وعيشه كياباني, وموقف تلميذه من المسألة ككل وماتلاه في حياته. لا أريد أن أفسد متعة قراءة الرواية لأي قارئ محتمل.

من النقاط التي جذبتني أكثر للرواية, كونها من الأدب الياباني, والذي تعتبر هذه القراءة الأولى لي لعمل روائي ياباني, وإن كنت فعلاً قد اتصلت بالأدب الياباني عن طريق أفلام المخرج العظيم "أكيرا كوروساوا" التي أعشقها, أو أفلام الأنمي للأسطورة الحيّة –وأنا رجل أختار كلماتي بعناية وأعني بحق ودقّة هنا أنه "أسطورة حيّة"- "هاياو مايازاكي". الأسلوب المستعمل وطريقة السرد وطريقة الوصف استعمال المفردات والأماكن التي يقوم الكاتب بالتركيز عليها كانت أصيلة لها طابعها المميز, وكانت تجربة بعيدة إلى حد ما عن الأساليب المتبعة في الرواية الغربية بشكل عام.

بقي أن أشير أن الرواية حصلت على حفاوة بالغة عند الرأي العام وعند النقاد المحليين والعالميين وحصلت على عدّة جوائز أدبيّة, وبل ويصنفها الكثيرون على أنها من روائع الانتاج الروائي العالمي في القرن العشرين.

وبقي أيضاً أن أقول أن مارتن سكورسيزي يخطط فعليّاً لإنتاج فيلم مقتبس عن هذه الرواية (وإن كان المشروع قد تأجل مرّات عديدة). زاد من حماسي للفيلم معلرفتي بطاقم التمثيل, بقيادة الممثل صاحب الأدوار الخالدة "دانيال داي لويس" والذي اعتبره من أفضل الممثلين الأحياء( وأعتبر أداءه في There Will be Blood الأعظم فيما شاهدت في حياتي مناصفة مع روبرت دي نيرو في Raging Bull) والذي سيقوم بدور الأب فيرييرا المرتد. و الممثل الشهير "ديل تورو" بدور طالبه رودريغيز الباحث عن معلمه. هؤلاء حينما يقودهم مخرج عظيم كمارتن سكورسيزي (taxi driver, Raging Bull, Goodfellas, Casino, Gangs of New York, The Departed) لينتجوا فليماً مبنياً على رواية بهذا العمق, أعرف يقيناً أنني على موعد من عمل لا يمر مرور الكرام. من المؤسف أن العمل تم تأجيله لعام 2011, وحينها, إن الله أحيانا, لنا موعد.

هناك 6 تعليقات:

  1. Liked your blog - really nice topics

    ردحذف
  2. :)
    الله يوفقك يارب يرفع شانك وايخليك ذخر للوطن
    ما ابالغ اذا قتلك اني معجب بثقافتك جداً ومعجب بذوقك الفني
    واشكرك على اختيارك لهذا الكتاب الرائع

    ولي طلب منك تقرى كتب واترشح لنا احسنها لنزيد من معرفتنا

    وفي الختام لا مقام الى لتقديم أحر التهاني بهذا البلوق الرائع والتمنيات الحره بالمستقبل المبهر

    ردحذف
  3. أخواني الكرام "غير المعرَّفين" :) ..

    مشكورين على مروركم في مدونتي, أشكر وأغتز بشهادتيكم :) ..

    (P.S: فيه مشاكل مع هذه النسخة.. بحاول أحلها بحول الله).

    ردحذف
  4. مقدمة مشوقة..ساطلع عليه باقرب فرصة ان امكن - بعد الانتهاء من عـزازيل!

    اسعدني المرور بمدونتك الفريدة..الهمتني ان ابدأ مدونتي الشخصية :)

    تحياتي

    ردحذف
  5. أنا احب القراءة وقريت لعده كتاب يابانين وحطوا كتابك في لستتي وان شاء الله باشتريه وأقرأه

    ردحذف
  6. اشكرك يا اخي على هذه المعلومات ، الحين كنت اقرأ عن الكاتب *شوساكو اندو* (الي تعرفت عليه نفسك من خلال موقع اي ام دي بي) و عندما عرفت ان المخرج اسكورسيزي يريد اخراج فيلم قصته مقتبسة من هذه الرواية قلت لنفسي ان علي ان احصل على هذا الكتاب ، و اشكرك مرة أخرى على معلوماتك ، الله يوفقك.

    ردحذف