الثلاثاء، 29 سبتمبر 2009

الإنجازات العربية .. موسوعة جينيس انموذجاً !!

The Guinness World Records 2010 edition
تطبع دار Jim Pattison Group سنويا كتابها الشهير "جينيس للأرقام القياسية العالمية" بلغات كثيرة وبملايين النسخ التي بالكاد تكفي الطلب الكبير على الكتاب. البشر بطبيعتهم يثير اهتمامهم كل غريب وعجيب ومتفرّد, لذلك صار للكتاب سوق كبير, وصار البعض يحرص على فعل ما يشفع له الدخول في الكتاب. تجد في الكتاب أرقاماً قياسية وانجازات بعضها مهم ومثير للإعجاب, وبعضها سخيف مثير للضحك. أحدهم يتسلّق الجبل في فترة قياسية, وآخر يقطع مسافة الـ100 متر في أقصر زمن, وآخر يخرج مسدسه الـ9 ملم ويصوّب به في اسرع وقت. وتجد من أتى برقم قياسي في أكل أكبر كمية من السباقيتي من خلال أنفه, وتجد أيضاً أكبر كمية للوشم في جسد رجل, وأيضاً أطول شعر "أذن" في العالم !

كل ذلك موجود .. وكل دول العالم تقريباً لها موطئ قدم في السجل الأكثر شهرة. يبقى أنك حين تقلّب الصفحات بحثاً عن انجاز عربي, تتفاجاً أن الغالبية الساحقة من السجلات الموجودة لدول وأشخاص عرب تتسم بصفتين اساسيتين لا تخلو الأرقام عادة منهما. تجد أن الأرقام القياسية العربية لها صفتين: شديدة الكلفة وقليلة القيمة؛ إلى درجة أن الجميع يعرض عن فعلها. ستجد أكبر طبق "مجبوس" وأكبر طبق كعك وأطول اسطول حافلات (:)) وأكبر فستان. لن تجد في غالبية الأرقام أية قيمة أو انجاز .. بل ستجدها سخيفة إلى درجة أن الفرح والتراكض إلى مكتب ناشر الكتاب للحصول على تصديقهم أمر مخجل, وخاصة أن الكثير من العرب يعطون الـ"أنجاز!" طابع الدولة, لا المؤسسة والشخص كما هو حاصل مع انجازات الحمقى من باقي أصقاع العالم.

قبل فترة بسيطة طالعتنا الصحف القطرية المحلية بالإنجاز الباهر الذي حققته مؤسسة مواصلات (كروة) عن طريق صفّها لأطول اسطول حافلات نقل. في الدول المتحضّرة لايمكن لمؤسسة ربحية تعمل في مجال المواصلات ككروة أن تعطّل عملها وعمل الناس وتعيق حركة السير فقط لكي يدخل اسمها في مربع صغير في موسوعة غينيس لايلبث أن يُزال في النسخة الجديدة. بل وإن الصحافة هناك لن تنشر الخبر وتفتخر به وتخصص له المساحات, لأنه لايهم أحداً. إن هذا التصرّف ليس لأسباب دعائية كما قد نعتقد, بل ينظر بعض المسؤولين عن هذه الخطوات إلى أنهم "يرفعون اسم بلدهم" عن طريق هذا الخبر في ذاك الكتاب الآيرلندي!

الاثنين، 28 سبتمبر 2009

لماذا أدوّن ؟!

René Magritte's The Portrait (1935)

دائما ما تبعث المنازل الجديدة شعور عدم الإنتماء في نفس ذاك الجديد الذي ولج الباب للتو. حينما يمر الطفل أمام ساحة المدرسة في أول يوم له في العالم المخيف المسمى مدرسة، ويلاحظ كل تلك النظرات الفارغة من الطلاب الأكبر سنّاً، وتلك النظّارات والمساطر الطويلة التي تبعث الخوف عند معلّميه ومعلماته.. حينها يشعر ذاك الطفل أنه ماكان ينبغي له أن يخرج من بيته الصغير وعالمه المليئ بخيالات قناة سبيس تون.

لا ألمّح –من كل ماسبق- إلى أنني ذاك الطفل، وأن هذا التدوين هو المدرسة، وأن كل ما سبق من وسائل الكتابة والنشر التي اتبعتها كانت عالماً صغيراً.. على الأقل لن أبكي خوفاً كما بكى –ويبكي- آلاف الطلاب في أيامهم الأولى في المدرسة. لكنني أقرّ واعترف أنني ألاحظ نظرات فارغة المضمون تأتيني من هنا وهناك.. لايهم .. فقد تكون خيالاً من وحي نفسي كخيال الجن الذي يتراءاه البعض أحياناً في الأماكن التي يُقنعون هم أنفسهم أنها مسكونة!

لماذا أكتب؟ لماذا أنشر عن نفسي؟

ثمّ .. هل يجب أن أنشر عن نفسي، كما يفعل الكثيرون في مدوناتهم؟!

في الواقع.. المدونة عبارة عن صفحة بيضاء يقدّمها "صاحب موقع" Blogger ولا يطالبك أبداً بأي شيء. يقوم البعض بالرسم وآخرون بالكتابة عن حياتهم أو عن كلبهم وسياراتهم ومشاكلهم الصحية وأشياءاً ارتضوها لأنفسهم، وآخرون يأخذون الورقة ويلفون بها السندوتشات ويقدمونها للمتصفح مثيرين اشمئزازه حين دخل ليقرأ ليفاجأ بتوسّخ ثوبه من الـ"طحينية"! ويقوم آخر ببلها وشرب مائها بناءاً على نصيحة الدكتور "بُرعي" من وكالة ناسا لعلوم الفضاء.

بقي أن هنالك فئة تأتي أمامهم الصفحة الفارغة، ثم يقدّمها فارغة بلا أن يضع أي سواد على بياضها. مع هذا كنت أتفكّر وأنظر، وأسترجع الآثار الكثيرة من آداب العرب عن الصمت وفضله والسكوت وقيمته، واسترجع ذكرى أولئك التلاميذ الذي يقفون بوقار –رغم حداثة سنهم- في جلسات العلم في المساجد، فيثير ذاك الفعل إعجاب واحترام معلّميهم ... أليس من الحكمة ترك الصفحة بيضاء؟! أوليس في تركها سلامة وغنيمة ؟! أوليس الناس لو مرّت عليهم مئة حسنة من رجل تلتها سيئة لأنستهم الحسنات وأخذوا بتلابيب السيئة؟ ما القيمة من الكتابة تحت سوط نمط نقدي كهذا!

يقول "
غوتيه" ذات ندم:
أواه كم لعنت تلك الصفحات الطائشة التي جعلت آلام شبابي
ملكاً مشاعاً للجميع!
.. ان الكتابة الشخصيّة عملية عاطفيّة غير عادلة، من حيث ان الكاتب لايستطيع اخفاء جانبه الشخصي في كتابته وإن تكلّف في التعتيم؛ فيبرز شخصه ويظهر مكنوناته مجانا لقارئ يكتفي بالقراءه، فيعرف عنك –ايها الكاتب- ولاتعرف عنه، ويستفيد منك ومن خلالك ولاتستفيد مباشرة منه. تبدوهذه المعادلة محبطة وتكرر السؤال فيني بإلحاح : لماذا أدوّن؟!!

أدوّن لأن القلم موجود على الطاولة ممتلئ بالحبر، ولأن الورقة موجودة أيضاً على الطاولة، ولأن اليد "تحكني" أحياناً لو تركتها خاملة.. هكذا بكل ببساطة. لا أدعي أنني أكتب أو أرسم في تلك الورقة لهدف, وأنني أنوي برسمي الوصول إلى شكل نهائي متفرّد له مغازي سامية؛ بل الأمر أنني اعتدت عدم ترك الأوراق خالية، واعتدت أن أبدأ السطر واترك القلم يكمل الدرب، واعتدت منه أنه في ختام السطر والجملة يكون قد وصل إلى مكان مهم. أنها الثقة في النفس التي تجعلني اراهن على أنني لن ألعن الصفحات الطائشة.. كما لعنها غوتيه من قبل.